القوة
الأفريقية في الصومال .. وتحديات خيبة الأمل
كتب:ماجد صقر
الثلاثاء، 09 يوليه 2013
يبدو أن الصومال قد أشرف على الدخول في نفق
مظلم منذ تسعينيات القرن الماضي، عبر احتواء الجماعات المسلحة، وتحقيق المصالحة
الوطنية الشاملة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية
المتردية.
تحديات
أُضيفت إلى أخرى عديدة تواجه قوات حفظ السلام الأفريقية المنتشرة في الصومال،
الأمر الذي دفع البعض إلى التشكيك والتقليل من قدرة القوات الأفريقية في سيطرتها
على جميع مناطق الصومال، رغم إمكانياتها العسكرية الضخمة مقارنة بقدرات حركة
الشباب الصومالية.
وبات الأمر
وكأنه دفعة قوية لقيادات الحركة الجهادية الإسلامية "حركة الشباب" التي
كثفت من هجماتها في أماكن متفرقة من الصومال، وهو ما دعا الناطق العسكري باسم حركة
الشباب عبد العزيز أبو مصعب إلى وصف تهديدات القوات الأفريقية الجديدة بالفشل
وانعدام القيمة، معتبراً أنها "مجرد خيال لكونها تتناقض مع الوقائع الجارية
على الأرض"، وبالتالي ازدادت جرأة حركة الشباب، مما أدى إلى تبنيها رسمياً
التفجير المروع الذي راح ضحيته أكثر من ثمانين قتيلاً، وجرح فيه مئات المصابين.
وجاءت
السيطرة المتزايدة للقوات الأفريقية في الصومال، لتزيد من التساؤلات حول مستقبل
تواجد تلك القوات في الأخيرة عقب تداعيات التباين حول جدوى مشاركة القوات الكينية
في القوة الأفريقية، الأمر الذي ضاعف من التحديات والتعقيدات أمام هذه القوات.
فقد أعلن
قائد القوات الأفريقية في الصومال الجنرال أندرو جوتي في بيان صحفي، عن انضمام
قوات جديدة في يونيو الماضي من دولة سيراليون قوامها (750) جندياً، إلى جهود قوات
حفظ السلام الأفريقية المتمركزة في الصومال، فضلاً عن سيطرة القوات الأفريقية على
ثلاث بلدات تقع في ولاية شبيلي السفلى خلال الشهر ذاته.
تحديات
معقدة
ورغم
النجاح النسبي الذي حققه الاتحاد في الكثير من النزاعات مثلما حدث في الكونغو
ورواندا وانفصال السودان، إلا أن مهمته واجهها العديد من العثرات بسبب الصراعات في
الكثير من دول القارة.
وبالفعل
وجدت القوات الأفريقية في الصومال صعوبات ميدانية معقدة من شأنها عرقلة انتشارها
بسرعة في جميع المناطق الخاضعة تحت سيطرة حركة شباب المجاهدين، نتيجة انتشار
عناصرها في مناطق نفوذ الحكومة الصومالية، وأخرى إستراتيجية تقع تحت حكم الحركة.
فمن ناحية،
اتسم تسليح وتدريب قوات حفظ السلام الأفريقية بالضعف الشديد ونقص التمويل والخطط
العسكرية الواضحة، كما تحولت تلك القوات في كثير من الحالات لتصبح طرفاً في الصراع
الأهلي، حيث تدعم طرفاً ضد آخر، كما حدث في الصومال ومالي، كل ذلك بجانب الضغوط
والتدخلات الخارجية التي أضعفت من دور الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات الأفريقية
وتسويتها، وأدت إلى توسيع هذه النزاعات وتدويلها، واستغلالها لصالح أجندات خارجية.
واعتبر عدد
من المراقبين المحلين أن التحديات الماثلة أمام القوات الأفريقية تكمن في التوتر
السياسي المتصاعد بين مقديشو العاصمة وكيسمايو المدينة الساحلية الثالثة بالصومال،
إلى جانب عدم وجود جيش صومالي متماسك ومجهز بالأسلحة الثقيلة، وقادر على تولي
مسئولية المناطق المحررة إذا انسحبت القوات الأفريقية منها.
وفي سياق
آخر، اعتبرت مصادر عسكرية أفريقية أن قضية هيمنة المؤثرات القبلية على الجيش
الصومالي، إضافة إلى اتهامات الحكومة الصومالية المتواصلة لكينيا بمساندة مليشيات
مناوئة لها، هو ما وضع مقديشو في وضع حرج دبلوماسياً وسياسياً وأمنياً أمام الدور
الأفريقي في الصومال الذي تحتل كينيا دوراً بارزاً فيه.
من ناحية
أخرى، فقد واجه الاتحاد في كثير من الحالات حرب عصابات تقودها حركات تمرد مسلحة،
مما يصعب على الجيوش النظامية مواجهتها بالأسلحة وأساليب القتال التقليدية، كذلك
فإن منهج التدخل الأفريقي في حل النزاعات يرتكز فقط على المنهج الأمني، ومحاولة
منع وقف النزاع، لكنه لا يشمل مناهج أخرى مثل المنهج السياسي والاقتصادي.
وفي سياق
آخر، مثل ضعف الدول الأفريقية ذاتها وانهيار مؤسساتها (خاصة الجيش والشرطة)، أهم
الصعوبات التي شكَّلت أساس ضعف قوات حفظ السلام الأفريقية، فضلاً عن عجز هذه الدول
عن الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها التي لا تتعدى حدود العاصمة، وهو ما أسهم
بدوره في انتشار الانقلابات العسكرية واندلاع الصراعات والحروب الأهلية في القارة
التي مثلت التحدي الأكبر أمام الاتحاد الأفريقي.
مستقبل
مرهون
وبعد
التأكيد على التحديات السابقة (التي لا يزال تعاني منها القوات الأفريقية عموماً
نحو تعزيز فرص حل النزاعات المسلحة في القارة، وبصفة خاصة في نزاعات الصومال)،
يتشكل بذلك مسار متباين حول مستقبل مجهول لهذا الدور.
وأول هذه
المسارات هو استمرار بقاء القوات الأفريقية في الصومال لفترة طويلة، حتى يتم إنشاء
جيش صومالي وطني، وهو ما يعد ضرباً من المستحيل في الوقت المنظور، على حد رأي
خبراء متخصصين في الحركات المسلحة الصومالية.
وعلى عكس
هذا المسار، لم يستبعد إمكانية استغناء الحكومة عن الوجود العسكري الأجنبي في
البلد، خاصة مع تباين الأنباء بشأن دور القوات الكينية التي تقود معظم العمليات
الأفريقية في الصومال، ويكون ذلك عبر استقطابها المزيد من المتطوعين للخدمة في
المؤسسات الأمنية والعسكرية الحكومية.
وفي
النهاية، يبقى من الثابت أن استمرار الصراعات والنزاعات داخل نطاق الصومال بل
والقارة السمراء بأكملها، يمثِّل أكبر تحدٍّ للقوات الأفريقية لاستكمال دورها في
دعم الوحدة الأفريقية، للتعاون المشترك في كافة المستويات الاقتصادية والسياسية
لتحقيق آمال وتطلعات شعوب القارة.
ولعل
الشعاع الأخير الذي ينبثق ضوؤه أمام الاتحاد الأفريقي وقوات حفظ السلام التابعة له
في نفق التحديات المظلم، يرتبط بمعالجة جوهر الأزمات الإفريقية وفقاً لمبدأ
"بناء السلام"، أي التدخل لحل المشكلات السياسية ودعم الديمقراطية في
دول القارة، باعتبارها الوعاء الوحيد والحقيقي لاستيعاب الاختلافات التعددية
العرقية والقبلية والدينية، وسعي حكومات تلك الدول لإشراك الحركات المعارضة
والأقاليم المهمشة في السلطة، لمنع تكرار اندلاع الصراعات مرة أخرى بعد انسحاب
القوات الأفريقية.
http://moheet.com/news/newdetails/684411
No comments:
Post a Comment